طوفان الأقصى: عالم بلا "إسرائيل"... ما الذي حدث في 7 تشرين الأول في غزة؟

عاجل

الفئة

shadow
*بقلم الإعلامية ريم عبيّد*

حدث كبير وقع في السابع من تشرين الاول 2023، استطاع منذ ساعاته الأولى أن يخلق واقعاً جديداً للقضية الفلسطينية ولربما للمنطقة ككل، إضافةً الى خطه مسارات وسيناريوهات عديدة سيترتب عليها ضبط إيقاع عموم المشهد الاقليمي المقبل.
فبعد مرور شهر على طوفان الأقصى، يمكن ملاحظة التغيير البادي في المعادلات السياسية والعسكرية، التي كانت قد تسيدت المشهد الإقليمي على مدار عقود سابقة. فإن "يك" الطوفان قد أطاح جدرانا، وجرف مسلمات قاربت حدود اليقين لدى الصديق قبل العدو، فإنه ما لبث وأن أضاء قاعاً لطالما أخفى كثيراُ من الظواهر والمقولات بل والمشاريع، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى العسكري أو حتى على مستوى الهندسات الاجتماعية وبناء الشبكات الاجتماعية.



ومما لاشك فيه أن الطوفان كسر معادلات ثلاث على الأقل، وأحل مكانها أخرى جديدة:

- الأولى: معادلة القوة المفرطة Hyper Power، حيث سعت "اسرائيل" في السابق إلى ترويج امتلاكها فائض القوة، متكئة في ذلك على رصيد انتصارات لم تزل مفاعيلها تحكم عالم اليوم. فـ "اسرائيل" التي قامت رغم أنف العرب في العام 48 ، وهي التي سحقتهم في أوج قوتهم في العام 67 ، هي ذاتها التي أفرغت نصرهم المحتمل من معناه في العام 73، ثم داست بخيلها ورجلها ثاني عواصمهم بعد القدس في العام 82، باتت تخسر هذه الصورة في منحى تنازلي منذ العام 2000، والطوفان كسر هذه المعادلة باعتبار أن أقوى القوى لها حدود لا تستطيع تجاوزها.

- الثانية: معادلة كي الوعي، باعتبار أن "الهيبة الاسرائيلية" كانت مبنية على عامل إلحاق الهزيمة بالخصم قبل الالتحام، وبالتالي كان أخصام "اسرائيل" مرتدعين، وذاكرة الهزيمة والمذبحة تكبح جماح أي اندفاعة محتملة... اما اليوم فالواقع تغير.

- الثالثة: هي معادلة احتكار الحقيقة، فـ "اسرائيل" ومن خلفها الصهيونية العالمية والغرب الجماعي، هم من يمتلكون مفاتيح الحقيقة وطرق الوصول اليها. وبرغم ما سخرته أذرع امبراطورية الشر من منصات وسياسات لحجب رواية لا تتسق ورواية العدوان، فإن هول جريمة الإبادة معطوفاً على عار هزيمة السابع من تشرين الأول، كانا أكبر من كل خوارزميات "فيسبوك" و"اكس"، وكل مَن حاول لجم الحقيقة أو اخفاءها.

في المقابل، أصبحت المعادلات الجديدة، واقعاً تتجلى معه مسارات المرحلة المقبلة، وهي ثلاث وربما أكثر نذكر منها:

اولا: معادلة المبادرة والثقة المبنية على إعادة الاعتبار للوعي العربي، الذي كان في الفترة السابقة حبيس قرارات بعض الدول، المسلّمة تسليما كاملا لإرادة الاستكبار العالمي، فجاءت عملية الطوفان لتبرز صلابة التخطيط السليم والممارسة الدقيقة والقدرة على الإنجاز.

- ثانيا: معادلة الحقيقة التي تتحدى مفاعيل الهندسة الاجتماعية في أوروبا بانقلاب الرأي العام، وكشف زيف المقولة الصهيونية التي سيطرت على الوعي الغربي في مرحلة ما بعد الهولوكوست. لتتعالى الأصوات المطالبة بمحاسبة "اسرائيل"، وتخرج التظاهرات المليونية في قلب عواصم الاستكبار في لندن وواشنطن وباريس، كيف لا وهي صاحبة الخطيئة الأصلية بإقامة هذا الكيان واستدامه ظلمه وتعديه على الناس.

- ثالثا: معادلة وحدة الأمة بكل مذاهبها وتوجهاتها، التي أسقطت السرديات الطائفية والمناطقية التي ما انفكّت تطعن شعوب المنطقة في وحدتها وتشق صفها، كي تنعم "اسرائيل" بالأمن والسلام.
رابعا: معادلة المقاومة التي لطالما تمت شيطنتها ووصفها بالإرهاب، وهو ما تجلى في سقوط الطرح الفرنسي المعطوف على "الخطاب الاسرائيلي" المعتدي الذي لم يتورع عن وصف حماس بـ "داعش" فلسطين. فما ان طرح ماكرون خيار تشكيل تحالف دولي لمحاربة حماس، على غرار التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، حتى ارتفعت الأصوات في فرنسا نفسها وفي أوروبا لتظهر سذاجة الطرح من جهة، ولتشهر في وجه من تبناه صورة المجزرة والمقاوم الفلسطيني الذي يدفع عن نفسه واهله شر هذه المجزرة.

وبناءً على ما تكرس من معادلات، و ما رسخ من وقائع ترجمها العمل المقاوم من جهة، وأظهرها بطش آلة الحرب "الاسرائيلية" من جهة أخرى، جاء خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في الثالث من تشرين الثاني، ليضع الإجابات السياسية والعسكرية من خلال شرح مستفيض لأهداف وأسباب ونتائج العملية، ناقلاً بقدر كبير من الحكمة والدراية السياسية الصراع من "الوكيل الاسرائيلي" الى "الأصيل الاميركي".

وقد استطاع السيد نصرالله أن يكون الرقم الأصعب في المعادلة، كما حافظ على هذه المكانة رغم اشتداد الظرف وخطورة الخيارات فيه، فكان القائد الاستثنائي المخيف باعتراف العدو. إن دقة القرءاة الميدانية ووضوح الأهداف وواقعيتها، كانت كلها عناصر رئيسية برزت في خطاب السيد، ومن خلالها أعطى صورة واضحة للمشهد القائم والمسار المستقبلي، الذي ستسير عليه القضية الفلسطينية ومعها كامل المنطقة المنكوبة بوجود "اسرائيل".
وبانتظار خطابه الثاني في الحادي عشر من تشرين الثاني، والذي قد يوضح فيه شيئا من الغموض البناء الذي تحدث عنه في الخطاب الأول والذي اعتبره ضرورة للمرحلة، قد تتضح بعض سيناريوهات المرحلة المقبلة، ومآلاتها، ومن كان ينتظر خطابه الأول وان كان منتقدا، حتما سينتظر الثاني ليفهم أكثر، ومن كان يحمل خارطة طريق لحل او لتعقيد، سيكون على استعداد لحمل قلمه والتعديل بناء على الجديد الذي سيقدمه السيد. لا شك أن معادلات جديدة سوف تحضر في الخطاب الثاني، مع مراعاة البعدين الأخلاقي والديني اللذين عودتنا عليهما المقاومة في تعاطيها مع العدو قبل الصديق، ويبقى ان التضحيات مقابل الانجازات أمر لا بد منه.

الناشر

1bolbol 2bolbol
1bolbol 2bolbol

shadow

أخبار ذات صلة